فصل: (سورة يونس: آية 101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة يونس: آية 101]:

{قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)}
{ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} من الآيات والعبر {وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ} والرسل المنذرون، أو الإنذارات {عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} لا يتوقع إيمانهم، وهم الذين لا يعقلون وقرئ: وما يغنى، بالياء، و«ما» نافية، أو استفهامية.

.[سورة يونس: الآيات 102- 103]:

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
{أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} وقائع اللّه تعالى فيهم، كما يقال «أيام العرب» لو قائعها {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا} معطوف على كلام محذوف يدل عليه قوله: {إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} كأنه قيل: نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا، على حكاية الأحوال الماضية {وَالَّذِينَ آمَنُوا} ومن آمن معهم، كذلك {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم، ونهلك المشركين.
و{حَقًّا} عَلَيْنا اعتراض، يعنى: حقّ ذلك علينا حقًا. وقرئ: {ننجّ}، بالتشديد.

.[سورة يونس: آية 104]:

{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)}
{يا أَيُّهَا النَّاسُ} يا أهل مكة {إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} وصحته وسداده، فهذا دينى فاسمعوا وصفه، واعرضوه على عقولكم، وانظروا فيه بعين الإنصاف، لتعلموا أنه دين لا مدخل فيه للشك، وهو أنى لا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون من هو إلهكم وخالقكم {وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} وإنما وصفه بالتوفى، ليريهم أنه الحقيق بأن يخاف ويتقى، فيعبد دون مالا يقدر على شيء {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يعنى أنّ اللّه أمرنى بذلك، بما ركب في من العقل، وبما أوحى إلىّ في كتابه. وقيل: معناه إن كنتم في شك من دينى ومما أنا عليه- أثبت عليه أم أتركه وأوافقكم- فلا تحدّثوا أنفسكم بالمحال ولا تشكوا في أمرى، واقطعوا غنى أطماعكم، واعلموا أنى لا أعبد الذين تعبدون من دون اللّه، ولا أختار الضلالة على الهدى، كقوله: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ}. {أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ} أصله: بأن أكون، فحذف الجار، وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذف الحروف الجارّة مع «إن» و«أن». وأن يكون من الحذف غير المطرد، وهو قوله: أمرتك الخير فاصدع بما تؤمر.

.[سورة يونس: آية 105]:

{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)}
فإن قلت، عطفُ قوله: {وَأَنْ أَقِمْ} على {أَنْ أَكُونَ} فيه إشكال، لأنّ «أن» لا تخلو من أن تكون التي للعبارة، أو التي تكون مع الفعل في تأويل المصدر، فلا يصح أن تكون للعبارة وإن كان الأمر مما يتضمن معنى القول، لأنّ عطفها على الموصولة يأبى ذلك. والقول بكونها موصولة مثل الأولى، لا يساعد عليه لفظ الأمر، وهو {أَقِمْ} لأنّ الصلة حقها أن تكون جملة تحتمل الصدق والكذب. قلت: قد سوّغ سيبويه أن توصل «أن» بالأمر والنهى، وشبه ذلك بقولهم: أنت الذي تفعل، على الخطاب، لأنّ الغرض وصلها بما تكون معه في معنى المصدر. والأمر والنهى دالان على المصدر دلالة غيرهما من الأفعال {أَقِمْ وَجْهَكَ} استقم إليه ولا تلتفت يمينًا ولا شمالا. و{حَنِيفًا} حال من الدين، أو من الوجه.

.[سورة يونس: آية 106]:

{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}
{فَإِنْ فَعَلْتَ} معناه: فإن دعوت من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرّك، فكنى عنه بالفعل إيجازًا {فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} {إذًا} جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدّر، كأنّ سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان. وجعل من الظالمين، لأنه لا ظلم أعظم من الشرك، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.

.[سورة يونس: آية 107]:

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}
أتبع النهى عن عبادة الأوثان ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر، أنّ اللّه عزّ وجلّ هو الضارّ النافع، الذي إن أصابك بضرّ لم يقدر على كشفه إلا هو وحده دون كل أحد، فكيف بالجماد الذي لا شعور به. وكذلك إن أرادك بخير لم يردّ أحد ما يريده بك من فضله وإحسانه، فكيف بالأوثان؟ فهو الحقيق إذًا بأن توجه إليه العبادة دونها، وهو أبلغ من قوله: {إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ}. فان قلت: لم ذكر المس في أحدهما، والإرادة في الثاني؟ قلت: كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعًا: الإرادة والإصابة في كل واحد من الضرّ والخير، وأنه لا رادّ لما يريده منهما، ولا مزيل لما يصيب به منهما، فأوجز الكلام بأن ذكر المسّ وهو الإصابة في أحدهما، والإرادة في الآخر، ليدلّ بما ذكر على ما ترك، على أنه قد ذكر الإصابة بالخير في قوله تعالى: {يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} والمراد بالمشيئة: مشيئة المصلحة.

.[سورة يونس: آية 108]:

{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)}
{قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ} فلم يبق لكم عذر ولا على اللّه حجة، فمن اختار الهدى واتباع الحق فما نفع باختياره إلا نفسه، ومن آثر الضلال فما ضرّ إلا نفسه، واللام وعلى: دلا على معنى النفع والضر. وكل إليهم الأمر بعد إبانة الحق وإزاحة العلل. وفيه حث على إيثار الهدى واطراح الضلال مع ذلك {وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بحفيظ موكول إلىّ أمركم وحملكم على ما أريد، إنما أنا بشير ونذير.

.[سورة يونس: آية 109]:

{وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)}
{وَاصْبِرْ} على دعوتهم واحتمال أذاهم وإعراضهم {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ} لك بالنصرة عليهم والغلبة. وروى أنها لما نزلت جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأنصار فقال «إنكم ستجدون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني» يعنى أنى أُمرت في هذه الآية بالصبر على ما سامتنى الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة، قال أنس: فلم نصبر. وروى أنّ أبا قتادة تخلف عن تلقى معاوية حين قدم المدينة وقد تلقته الأنصار، ثم دخل عليه من بعد، فقال له: مالك لم تتلقنا؟ قال: لم تكن عندنا دواب. قال: فأين النواضح؟ قال: قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، وقد قال صلى اللّه عليه وسلم: يا معشر الأنصار، إنكم ستلقون بعدي أثره. قال معاوية: فما ذا قال؟ قال: قال «فاصبروا حتى تلقوني» قال فاصبر. قال: إذن نصبر. فقال عبد الرحمن بن حسان:
أَلَا أبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ ** أمِيرَ الظّالِمِينَ نَثَا كَلَامِى

بِأَنّا صَابِرُونَ فَمُنْظِرُوكُمْ ** إلَى يَوْمِ التَّغَابُنِ وَالْخِصَامِ

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «من قرأ سورة يونس أعطى من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به، وبعدد من غرق مع فرعون». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}
التفسير:
لما ذكر ما وقع عليه الختم في واقعة فرعون وجنوده أراد أن يذكر ما وقع عليه الختم في واقعة بني إسرائيل فقال: {ولقد بوأنا} أي أسكناهم مسكن صدق أو إسكان صدق فيكون المبوأ اسم مكان أو مصدرًا، والعرب إذا مدحت شيئًا أضافته إلى الصدق ليعلم أن كل ما يظن به من الخير ويطلب منه فإنه يصدق ذلك الظن ويوجد فيه فيكون المعنى منزلًا صالحًا مرضيًا. والمراد ببني إسرائيل إما اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام فمبوّأ الصدق الشام ومصر وما يدانيها فإنها بلاد كثيرة الخصب غزيرة الأرزاق ومع ذلك فقد أورثهم الله جميع ما كان تحت تصرف فرعون وقومه من الناطق والصامت: {فما اختلفوا} في دنيهم وما تشعبوا فيه شعبًا وكانوا على طريقة واحدة حتى قرأوا التوراة فقابلوها بضد المقصود منها وبدلوا الاتفاق بالاختلاف وأحدثوا المذاهب المتعددة، وإما اليهود المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب جم غفير من المفسرين. عن ابن عباس: هم قريظة والنضير وبنو قينقاع، أنزلناهم منزل الصدق ما بين المدينة والشام ورزقناهم من طيبات تلك البلاد رطبًا وتمرًا ليس في غيرها، فبقوا على دينهم ولم يظهر فيهم الاختلاف حتى جاءهم سبب العلم وهو القرآن النازل على محمد صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نعته وصفته، وآمن به قوم وبقي على الكفر آخرون.
وبالجملة فالله تعالى يقضي بين المحقين منهم والمبطلين في يوم الجزاء لأن دار التكليف ليست دار القضاء. ولما بيّن كيفية اختلاف اليهود في شأن كتابهم أو في شأن رسوله حقق حقيقته وحقيقة ما أنزل عليه بقوله: {فإن كنت في شك} والشك في اللغة ضم الشيء بعضه إلى بعض ومنه شك الجوهر في العقد، وشككته بالرمح أي خرقته وانتظمته، والشكيكة الفرقة من الناس، والشكاك البيوت المصطفة. والشاك يضم إلى ما يتوهمه شيئًا آخر خلافه، والخطاب فيه للرسول في الظاهر والمراد أمته كقوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم} [الطلاق: 1] والدليل عليه قوله بعيد ذلك: {قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني} ولأنه لو كان شاكًا في شأنه لكان غيره بالشك أولى. ويمكن أن يقال: الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة ولكن ورد على سبيل الفرض والتمثيل كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلًا والقضية الشرطية لا إشعار فيها ألبتة بوقوع الشرط ولا عدم وقوعه، بل المراد استلزام الأول للثاني على تقدير وقوع الأول. وقد يكونان محالين كقول القائل: إن كانت الخمسة زوجًا كانت منقسمة بمتساويين. وفيه من الفوائد الإرشاد إلى طلب الدلائل لأجل مزيد اليقين وحصول الطمأنينة، وفيه استمالة لأمته والحث لهم على السؤال عما كانوا منه في شك، وفيه أن أهل الكتاب من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك فضلًا عن غيرك فيكون الغرض وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى الرسول لا وصف الرسول بالشك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عند نزوله: لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق. وعن ابن عباس: لا والله ما شك طرفة عين ولا سأل أحدًا منهم. وقيل: {إن} نافية أي فما كنت في شك يعني لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ولكن لتزداد يقينًا. وقيل: الخطاب لكل سامع يتأتى منه الشك. ومن المسؤول منه قال المحققون: هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا وتميم الداري وكعب الأحبار لأنهم هم الذين يوثق بخبرهم. ومنهم من قال: الكل سواء لأنهم إذا بلغوا حد التواتر وقرأوا آية من التوراة والإنجيل تدل على البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم فقد حصل الغرض، لأن تلك الآية لما بقيت مع توفر دواعيهم على تحريف نعته كانت من أقوى الدلائل. والظاهر أن المقصود من السؤال معرفة حقيقة القرآن وصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله: {مما أنزلنا إليك} وقيل: السؤال راجع إلى قوله: {فما اختلفوا حتى جاءهم العلم}. ثم إنه سبحانه لما بين الطريق المزيل للشك شهد بحقيته فقال: {لقد جاءك الحق من ربك} ثم إن فرق المكلفين بعد المصدقين إما متوقفون في صدقه وإما مكذبون فنهى الفريقين مخاطبًا في الظاهر لنبيه قائلًا: {فلا تكونن من الممترين ولا تكونن} الآية.
والمراد فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية وانتفاء التكذيب، وفيه من التهييج والبعث على اليقين والتصديق ما فيه. ثم لما زجر كل فريق عما زجر بين أن له عبادًا قضى عليهم بالشقاء وعبادًا ختم لهم بالحسنى فلا يتغيرون عن حالهم ألبتة. أما الأولون فأشار إليهم بقوله: {إن الذين حقت} الآية. وقد مر مثله في هذه السورة. وقالت المعتزلة: إن عدم إيمان هذا الفريق إلى حين وقوع اليأس وموتهم على الكفر مكتوب عند الله وثبت عليهم قوله في الأزل بما يجري عليهم، لكنها كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد. وقالت الأشاعرة: كلمته حكمة وإرادته وخلقه فيهم الكفر، وقد مر أمثال هذه الأبحاث مرارًا كثيرة. وأما الآخرون فذلك قوله: {فلولا كانت} أي فهلا حصلت: {قرية} واحدة: {آمنت} تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل معانية العذاب: {فنفعها إيمانها} لوقوعه في وقت الاختيار والتكليف دون أوان اليأس والاضطرار: {إلا قوم يونس} هو استثناء منقطع أي ولكن قوم يونس لأن أول الكلام جرى على القرية وإن كان المراد أهلها. وقيل: إن {لولا} في هذا المقام بمعنى النفي كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس. يروى أن يونس صلى الله عليه وسلم بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه فذهب عنهم مغاضبًا كما سيجيء في سورة الأنبياء، فلما فقدوه خافوا نزول العذاب فلبسوا المسوح وعجوا أربعين ليلة. وقيل: قال لهم يونس إن أجلكم أربعون ليلة فقالوا: إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك، فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيمًا أسود هائلًا يدخن دخانًا شديدًا ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم ويسوّد سطوحهم، فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرّقوا بين النساء والصبيان وبين الدواب وأولادها، فحنّ بعضها إلى بعض وعلت الأصوات والعجيج وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرعوا فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة.
وعن ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم حتى إن الرجل منهم كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه فيرده. وقيل: خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا: قد نزل بنا العذاب فما ترى؟ فقال لهم: قولوا يا حي حين لا حي ويا حي محيي الموتى ويا حي لا إله إلا أنت، فقالوها فكشف عنهم ومتعوا بالإيمان والأعمال الصالحة وبالخيرات الدنيوية إلى حين انقضاء آجالهم. وعن الفضيل بن عياض قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل، افعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله. ثم بيّن أن الإيمان وضده كلاهما بمشيئة الله وتقديره فقال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا} قالت الأشاعرة: هذه القضية تفيد الشمول والإحاطة لكنه ما حصل إيمان أهل الأرض بالكلية فدل هذا على أنه تعالى ما أراد إيمان الكل.